ماذا وراء سجال كنعان – نجم: “رمانة قانونية” أو قلوب “سياسية” مليانة؟
بينما كان الموفد الفرنسي إلى لبنان المستشار في قصر الإيليزيه باتريك دوريل يجول على المسؤولين اللبنانيين، مكرّراً من بين المواضيع التي طرحها، مطالبة الرئيس إيمانويل مكارون – ومن خلفه المجتمع الدولي والدول المانحة – السير بتدقيق مالي جنائي Forensic audit لمعرفة حقيقة ما شهده لبنان وكأحد مداخل الإصلاح وكشرط لتقديم أي مساعدات مالية وإقتصادية للبنان، كان الأخير يشهد “نشر غسيل” تويتري داخل البيت العوني الواحد بين أمين سر تكتل “لبنان القوي” ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان ووزيرة العدل المحسوبة على رئيس الجمهورية ماري كلود نجم على خلفية مدى تأثير “السرية المصرفية” على عمل التدقيق المالي الجنائي الذي تقوم به شركة ALVAREZ & MARSAL.
فقد غرد كنعان: “قالت وزيرة اللّاعدل أن من طالب بتعديل قانون السرية المصرفية لإزالة العوائق أمام التدقيق الجنائي مسؤول عن عدم حصوله! غريب أن تصبح المطالبة بتعديل قانون للوصول إلى الحقيقة جريمة بينما تنظيم عقود وإستشارات غبّ الطلب وهدر المال العام وتعثر التدقيق الجنائي إنجاز. اللي استحوا ماتوا!”.
فردت نجم: “تحت نظرن، أُقِرت موازنات الدين و الهندسات المالية، وإختفت ودائع الناس… وبعدن بيتحجّجوا بالسرية المصرفية بوجه التدقيق الجنائي وبيعطونا دروس بالقانون! تكراراً : التدقيق الجنائي مش بحاجة لتعديل القانون، بس اذا مصرّين مين مانعن يعدلوا القانون؟ فعلاً اللي استحوا ماتوا”.
أهل السلطة يسيرون بالعَقد رغم الأصوات المحذّرة
كلف مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون بتاريخ 28/7/2020 وزير المال غازي وزني توقيع العقد مع شركة ALVAREZ & MARSAL للتدقيق المالي الجنائي، بعد الأخذ برأي هيئة التشريع والإستشارات. وفي 7/9/2020، أعلن وزني بعد لقائه الرئيس عون في بعبدا أنه “وُقّع العقد مع الشركة وأصبح ساري المفعول وإن كان ثمّة تعديلات عليه فتُناقش مع الشركة لاحقاً”.
وقّع أهل الحكم العقد على وقع إرتفاع أصوات من بين الخبراء القانونيين وأهل السياسية تتحدث عن عقابات قانونية وعدم وجود وضوح في المهام الملقاة على عاتق الشركة في العقد أو عن طبيعة عملها، وعن تخوف من عدم التوصّل الى نتيجة للتدقيق الجنائي. وكذلك رغم طرح هذه الأصوات سؤالاً جوهرياً: “كيف سيتمّ التوصل الى نتيجة، في ظلّ ما ينصّ عليه قانون سرية المصارف الصادر في 3 أيلول 1956، الذي يمنع الإطلاع على الحسابات الدائنة، حتى على لجنة الرقابة على المصارف، فكيف بالحري على شركة خاصة ولو كانت مكلّفة من قبل مجلس الوزراء؟ كيف سيراعي التحقيق السرية المصرفية التي رفعت حصراً بموجب القانون لصالح هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان للاطلاع على الحسابات الدائنة؟”.
الإصطدام بـ”السرية المصرفية”
حين إنطلق العمل، تلمّس أهل الحكم بأن هناك عوائق قانونية تحول دون تنفيذ العقد الموقع مع شركة ALVAREZ & MARSAL بشكل كامل لاسيما لتعارضه مع قانون النقد والتسليف.
يروي مصدر مطلع على مسار التحقيق المالي الجنائي عبر “أحوال” ما جرى قائلاً: “فاتح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمين سر تكتل “لبنان القوي” ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان بالأمر سائلاً ما هي الخطوات التي يمكن القيام بها لتذليل العقبات من أمام قطار التدقيق المالي الجنائي. فقال له كنعان إنه بالإمكان التقدم بإقتراح قانون لتعديل هذه المادة، وبالتالي فتح المجال من الناحية القانونية أمام إجراء التدقيق المالي الجنائي”.
كما ذكّر المصدر ” أن كنعان كان أثار المسألة في إجتماع للجنة المال في وقت سابق بحضور ممثلين عن مصرف لبنان وجمعية المصارف وإستوضح منهم عما يحكى في الإعلام عن عوائق أمام السير قدماً بالتدقيق الجنائي. فردّ مصرف لبنان موضحاً أن العقد الموقع بين الدولة اللبنانية وAlvarez ينص على ألا يتعارض التحقيق المالي الجنائي مع القوانين المرعية الإجراء، وقانون النقد والتسليف يمنعنا كمصرف لبنان أن نكشف سرية كل الحسابات وأن نعطيهم المستندات. بالتالي نحن نطبق القانون وبوجود هذا العائق لا يمكننا تسليم كل المستندات. هنا إستغرب كنعان كيف للحكومة التي وقعت على هذا الملف أن لا تنتبه الى هكذا مسألة قبل تكبيد الدولة اللبنانية عقداً بقيمة مليوني دولار غير قابل أن يصل الى نتيجة!!!”.
تابع المصدر: “طرح الأمر في تكتل لبنان القوي وكان الجو بأن يبادر التكتل الى إعداد إقتراح قانون لتعديل قانون النقد والتسليف وإزالة هذه العقدة القانونية”.
نجم تحمّل كنعان مسؤولية “الجريمة”
يؤكد المصدر المطلع على مسار التحقيق المالي الجنائي أن “الوزيرة نجم أصرت على عدم الإعتراف بهذه العقدة القانونية أو الخطأ الذي إرتكبته الحكومة خلال توقيع العقد الذي لم يطلع عليه مجلس النواب، وتمسكت بموقفها بأن لا عائق أمام مسار التدقيق المالي الجنائي. فتريث الرئيس في هذا الموضوع وتم تجميد الموضوع”.
ويشير المصدر الى أن ما فجر الأمر مجدداً، تصريح نجم عبر “صوت بيروت إنترناشونال” الخميس 12/11/2020، إذ قالت: “هناك جريمة بحق الشعب اللبناني بالعرقلة إرتكبها كل شخص يقول لا نستطيع القيام بتدقيق مالي جنائي على حسابات مصرف لبنان من دون تعديل القانون، وأحمل رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان المسؤولية في هذا الصدد”.
يختم المصدر: “هذا ما حمل كنعان الى نعت نجم عبر تغريدة بـ”وزيرة اللاعدل” ودعوتها لتصويب مسارها لمصلحة التدقيق الجنائي والشفافية والوصول الى نتائج. الغريب أن نجم تحاول خلق مشكلة مع كنعان وكل من يتحدث عن شوائب قانونية في العقد فيما مشكلتها مع رئيس الجمهورية الذي طالب بتذليل العقبات من أمام قطار التدقيق الجنائي”.
هل من تصفية حسابات عونية – عونية؟
مراقب سياسي توقّف عند ما أسماه “حال التخبط” الداخلي التي يعيشها “التيار الوطني الحر” منذ وصوله الى سدة رئاسة الجمهورية، وما تلاها من خلافات في البيت الواحد من إبتعاد كريمة الرئيس ميراي عن دائرة القرار في قصر بعبدا الى خروج زوج إبنته الثانية كلودين النائب العميد شامل روكز من “التكتل”، والتي تفاقمت بعد العقوبات الأميركية على رئيس “التيار الوطني الحر” وزوج إبنته الثالثة النائب جبران باسيل.
وقال المراقب السياسي: “إن ما يحدث اليوم بين نجم وكنعان يعيدنا بالذاكرة الى إشتباك داخل البيت العوني أيضاً على خلفية خطة “التعافي المالي” التي شارك “التيار” في إعدادها بشكل رئيسي عبر مدير وزارة المال السابق ألان بيفاني (المحسوب على رئيس الجمهورية) والمستشار المالي للرئيس شربل قرداحي واللذان كانا يشاركان في المفاوضات مع صندوق النقد، فيما كان كنعان يرأس لجنة تقصي الحقائق التي كشفت عورات هذه الخطة التي لم يطلع عليها مجلس النواب مسبقاً ولم يبحثها مع مصرف لبنان والهيئات الإقتصادية والإتحاد العمالي العام، ما أدى يومها الى إشتباك عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحملات تخوين مبرمجة ضد كنعان”.
وسأل المراقب السياسي: “الجميع يعلم مستوى تنسيق الوزراء المحسوبين على العهد مع النائب باسيل، فهل وصول نجم الى حد تحميل كنعان مسؤولية “جريمة” بحق الشعب اللبناني هو إجتهاد فردي؟! أما أن الأمر يندرج في باب تهشيم كل من هو مخوّل أن يلعب دوراً في مرحلة ما بعد العماد عون أطال الله بعمره – مع تعاظم النقمة الداخلية على قيادة باسيل التي أوصلته الى عقوبات أميركية – خصوصاً أن الأمر لا يمكن أن يطرح في العلن في ظل وجود هالة عون كما كان الأمر في “الكتائب” و”القوات” في ظل هامة الشيخ بيار الجميل؟!”.
في الختام، إن الجدل بين كنعان ونجم عقيم، ونسف الجسور على الصعيد الشخصي بينهما عبر “الإشتباك” الكلامي الأخير لا يحلّ المشكلة والمناكفات بينهما هدر للوقت. بعضهم يعتبر أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يطبّق بالقانون وأخرون بأنه يتلطى خلفه. فلتسحب أي ذريعة وليأخذ أحد المبادرة لتفكيك العقد والمطبات القانونية من أمام قطار التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان والذي قد يفتح الأبواب على ملفات أخرى. المطلوب إيجاد مخرج يحفظ نظام السرية المصرفية ويوضح أن التدقيق الجنائي لا يتضارب مع هذه السرية المصرفية التي تشكل أحد ميزات النظام الرأسمالي في لبنان وجزءاً من هوية لبنان الاقتصادية وقيمه وأتت بثمار كثيرة. فهل من يبادر؟
جورج العاقوري